الشرموطة الصغيرة بنت الشرموطة الكبيرة

لم ألفظ في حياتي لفظة شرموطة و لم تفارق شفتي أي كلمة نابية وخاصة على الملأ فأنا استحي من تلك الأوصاف لبشاعتها ودلالتها المذرية في لغة العامة. فاللفظ مقذع منفر وصمة عار لمن توصف به من النساء فما بالك البنات الأبكار الذين يفترض بهن أن تحمر وجوههن خجلاً إذ صادفها احدهم من المتحرشين وهمس بقرب أذنها ضاحكاً: منور يا جميل…أموووووت في المووووز…!لذلك صدمت و أنا نائم يأتيني كالحلم من بعيد صوت جارتنا أم محمد تصرخ: طب سكت الشرموطة الصغيرة بنت الشرموطة الكبيرة…!! كنت قد أكملت نومي لولا أن تعالي الأصوات و الزعيق و اختلاط أصوات النساء بأصوات الرجال نبهني و ألقى عني اللحاف سريعا ومشى بي إلى شرفة شقتي في الطابق الثالث لأنظر و أنا يثقل جفوني سلطان النوم, فللنوم سلطان و أي سلطان!
نظرت وليتني ما نظرت! سمعت وليتني ما سمعت! نظرت آنسة عشرينية, في أوئل العشرينيات, جميلة الوجه ملفوفة بجلباب بلدي محجبة الرأس بضة الجسم عريضة الردفين هضيمة الكتفين ممتلئة الصدر والفخذين. رايتها تضع يديها في خصرها واقفة متنمرة كانها تقف مرابطة على الجبهة تقارع جارتنا أم محمد كلمة بكلمة: طيب خليهم يجيوا عندنا تاني أنا حادبحهملك أنشاء الله…أم محمد امرأة سمينة جالسة على مصطبة أمام بيتها: أسكتي يا لبوة…روحي شوفي هتعملي ايه يالا…اﻵنسة وقد احمر وجهها الجميل الأبيض وانفعلت و أنا أهيم في حسنها الأخاذ وهي غاضبة: لا مش هامشي ويلا ورني هتعملي أيه…من نافذة المنزل أطلت الأم الأرملة و الابنة الكبرى ولم أرى الابنة الصغرى فيجوز أنها لم تكن بالبيت. أطلت الأرملة, الأم لثلاث آنسات كانت كبراهن مخطوبة لابن عمها وقد فسخ خطبتها لا أدري السبب و المتوسطة اﻵنسة التي تخرجت من الجامعة ذلك العام وقت الشجار و الصغرى لا زالت تدرس في الإعدادية, من نافذتها تزعق بصوت يشبه صوت المعيز إذا مأمأت: ما تخلصي يا ولية أنت… نظرتها أم محمد وقد احتد الشجار وحضر الرجال من سكان الشارع: لما تسكتي اللبوة الصغيرة بتاعتك…لتجيبها اﻵنسة أمامها وهي تهز وسطها وردفيها الثقيلين اللذين أوقفا قضيبي بقوة: أنا لبوة..طب والله لوريكي..أنا هوريكي هعامل ايه…أم محمد: يا لبوة..اعملي اللي تعمليه …الأرملة تزعق من أعلى: بس يا جاهلة يا جاموسة…استشاطت أم محمد غضباً و كان محمد أبنها البناء واقفاً ينظر ولا يتدخل فهذه عركة نساء: بس يا شرموطة…يا شرموطة برخصة…يا بتاعة الرجالة…الأرملة: أنا طيييييب..والله لهتشوفي …أنا يا جاهلة…أم محمد زاعقة تردح وتصوت وتضرب كفيها تمط الألفاظ كأنها تتلذذ بمطها وكأنها لا تريد أن تنتهي منها: يا وسخة…يا متناااااااكة…يا اللي كل يوم مع راااااااجل…اﻵنسة الوسطى واقفة قد أصابها الذهول وهي تصرخ في أمها وقد لمحتني فاحمرت اكثر وراحت تزعق في أمها: ماما….ادخلي يا ماما….أدخلي بقلك…بقلك أدخلي…كذلك في النافذة الأخرى البنت الكبرى تشتم وتسب أم محمد: طيب والله لتعرفي قيمتك ياولية يا جزمة…أم محمد: بس يا ادي الشرموطة الصغيرة بنت الشرموطة الكبيرة…يا متناكين…يتدخل الجار علي: خلاص يا ام محمد..كفايةو كدا عيب…وكذلك الحاج صلاح: بس بقا يا أم محمد ميصحش كدا…ام محمد تنفجر: اسألوني أناااااا..العربيات عمالة تروح وتيجي..و في نص الليل…يا بتاعة أحمد يا فضييييييحة…

الأرملة لم تسكت ولا بد أن ترد فأم محمد تسب أغلى ما تملك تسبها في عرضها وهي بالفعل مظنة الفجور والشرمطة إذ أنها ترملت من عام وهي تعمل تخرج في الصباح وتقدم قبل الغروب بساعة. ولكن الأرملة لم ترد إلا ب: بس يا ولية يا جاهلة..يا جاموسة…أنا هاعرفك أنا مين…اختلطت الأصوات وقد أدهشني ردح أم محمد: بس يا لبوة…يا بتاعت أحمد فهمي….يا منيوكة يا بتاعة الرجالة…!!بالطبع أنا اعرف احمد فهمي صاحب زوجها الراحل الشاب الثلاثيني!! سرحت فيه وعلمت لما كنت أراه يتردد أحياناً بالليل علي بيت الأرملة!! كنت أنا أعيش تلك المعركة بكل كياني وكان عالمي أختزل في الأرملة وبناتها و أم محمد و رجال الشارع الذين تكاثروا يهتفوا بالأرملة: خلاص أدخلي بقا…أدخلي انتي…و كذلك ابنتها المتنمرة: خلاص يا ماما بقلك أدخلي…يبدو أنها لمحتني فتضاعف غيظها فبيني وبينها ثأر قديم فهي بالطبع لا تريدني أن أشمت بها ولا تريد أن أم محمد تمشت بها الأعداء و أنا بالطبع أحدهم أو واحدهم. رجل وقور هتف بالآنسة: خلاص بقا أطلعي أنتي…مع الإلحاح غادرت وصعدت لمنزلها وكل الشجار ذلك سببه الفراخ!! فراخ أم محمد تأكل وتفسد من شجيرات زينة الأرملة التي زرعتها أمام بيتها!! ضحكت و أنا اسمع ام محمد تحكي لما سالها احد سكان شارعنا الوقورين: أيه اللي حصل يا أم محمد..قالت صاحبتنا زاعقة: معرفش كنت قاعدة في حالي لقيت واحدة كدا تخينة معرفش مين داخلة عليا بتقولي: شايفة فراخك عملو ايه…طيييب أنا هادبحمهلك وهريحك منهم…احد الجيران مبتسماً: مين دي …أم محمد مشيحة بيدها بغضب: معرفش…اهي شرموطة من شراميطها…ضحكت أنا وتذكرت لفظة الشرموطة الصغيرة بنت الشرموطة الكبيرة وتبرم الجار السائل: ما خلاص بقا يا ام محمد..هما سكتوا ومشيوا…أحد الجيران وكأنما يستحث أم محمد على التصريح أكثر قال بخبث: بس أنتي غلطتي فيهم يا أم محمد…لم اسمع جواب أم محمد فقد سمعت هاتفي يدق من الداخل فأسرعت إليه.